Skip to main content

مستقبل الإسلام: بين التخويف منه والتصالح معه!

الغرب بنصرانيته ليس كُلَّه عدواً للإسلام أو خصماً للمسلمين، حقيقةٌ أشار إليها القرآن الكريم بقوله ]لَيْسُوا سَوَاءً[ ويشهد لهذا الواقع المعاصر، حيث تتضح الفروق بين غرب متعصب يَتحكم فيه التخويف من الإسلام بما يُسمى (الإسلاموفوبيا)! وبين غرب غير متعصب لا يقف من الإسلام موقفاً سلبياً، فمعظم الشعوب الغربية مُضلَّلة عن الحقيقة والفهم الصحيح للإسلام والمسلمين من خلال القوة السياسية بالقوى الناعمة المتنوعة، وبالتضليل الإعلامي وأدواته الجبارة غير المسبوقة.

وفي المقابل فالإسلام منافس تاريخي حضاري! وذلك بعقيدته وتشريعاته وقيمه ومخزونه العلمي والمعرفي وحضارته التاريخية، فوجود الإسلام وحضوره القوي في أوروبا عَبْرَ ما يزيد عن خمسة قرون من التاريخ – حَكَمَ فيها المسلمون أجزاء كبيرة من غربي القارة وشرقيها – غير غائب عن الذاكرة الأوروبية، بل هو حاضر بقوة في العقلية الصليبية المعاصرة عند متعصبي الغرب! وهؤلاء المتعصبون بالرغم من أقليتهم بالنسبة لشعوبهم، إلا أنهم من يملك القرار السياسي والعسكري، فالسياسيون والمتعصبون من رجال الفكر والدين هم صانعو الكراهية والصراعات والحروب، ومُفتعلو الصدام مع الإسلام وأهله.

ويؤكد المفكر الألماني مراد هوفمان – وهو الذي عاش النصرانية والإسلام وسَبَرَ أغوار الغرب – عودة الحروب الصليبية بقوله: «عادت الحروب الدينية لخشبة المسرح العالمي، وليست البوسنة آخرها، ولكنها أحدث الحروب الصليبية، في الحقيقة لم ينته عصر الحروب الصليبية في أي زمان، اليوم ليس البابا من يدعو للحملة ضد الإسلام، ولكنه قد يكون مجلس الأمن بالأمم المتحدة، يدعو للتدخل لإنقاذ دولة سقطت (مسلمة بالطبع) أو لفرض حظر سلاح على دولة مسلمة ضحية للعدوان.

نعم إذا سَبَرتَ غور النفس الأوروبية، لو بخدش سطحي صغير، لوجدت تحت الطبقة اللامعة الرقيقة عداء للإسلام –عقدة فيينا- التي يمكن استدعاؤها في أي وقت، وهذا ما حدث بالضبط في أوروبا خلال العشرين سنة الماضية» [الإسلام عام 2000، ص52].

وعلى ضوء هذا فهل العلاقة الغربية العدائية مع الإسلام هي المحرِّك الأساسي للصراعات والحروب المعاصرة في دول العالم العربي والإسلامي؟ حيث قِوى التخويف من الإسلام ومن يمثله، وعدم التصالح الحقيقي معه داخل الغرب وخارجه، مستغلين مناخ قابلية البلاد العربية والإسلامية للكيد بها والمكر فيها والتآمر عليها!

وهل هم بهذا قد تجاوزوا مرحلة التخويف من الإسلام إلى إثارة الكراهية والحروب ضده؟ ثم هل هذا لأن الإسلام عند كثيرٍ منهم منافس وبديل حضاري عن الموت القادم للغرب، خاصةً بجنسه الأنجلو سكسوني (الأبيض)؟! ولهذا فهل تقاريرهم وكتبهم تؤكد هذه النهاية، مثل كتاب (موت الغرب) لباتريك جيه بوكانن، و(أفول الغرب) المعروف أحياناً بكتاب (تدهور الحضارة الغربية) لأسوالد اشبنغلر، و(انتحار الغرب) لريتشارد كوك وكريس سميث وغيرها من الكتب الكثيرة في هذا السياق؟

وهل هذه الكتابات تكشف أو تؤكد شيئاً كبيراً من المشهد المستقبلي للعالم حول الصراعات والحروب القادمة، وربما الأفول للغرب واقتصاده؟ بالرغم من تطوره الصناعي! وتقدمه التقني! واستقراره السياسي المعاصر نسبياً، حيث دعوات الانفصال في إسبانيا وأمريكا! وحيث مظاهرات أصحاب السترات الصفراء في فرنسا! والتراجع البريطاني عن الوحدة الأوروبية! ومع هذا فإن الأفول أو الموت الغربي لا يعني أنه متحقق الوقوع حسب أعمار الأفراد، بقدر ما يعني ويقاس بأعمار الأمم والدول!

وتشير أقوال أخرى إلى هذا المشهد مؤكدةً بأن سقوط الشيوعية مؤذن أو مؤشر لسقوط الرأسمالية الغربية، لا سيما مع الانهيار الاقتصادي المتكرر عالمياً والمرتقب في كل عام، ومن ذلك قول المفكر الالماني مراد هوفمان: «والغرب ينتظر مثل هذا المصير، فبعد انتصاره على الشيوعية يتهدده تدمير الذات ومصير الفناء، إلا إذا تجاوز تأليه الإنسان ووجد طريقه مرة ثانية عائداً إلى التمسك بالقيم الإلهية، ويشير الإسلام إلى هذا الطريق» [الإسلام في الألفية الثالثة ديانة في صعود، ص299].

ويؤكد مُنظِّر السياسة الأمريكية وداهيتها الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، بصورة أوضح حول انتصار الإسلام وهزيمة خصومه في كتابه (ما وراء السلام) بقوله: «… لا تستطيع القيم الغربية الدنيوية أن تنافس هذا الإيمان ولا حتى [منافسة] القيم الإسلامية الدنيوية.. وفي خضم صراع الحضارات لن تكفي حقيقة أننا أقوى وأثرى أمة في التاريخ، وما سيكون حاسماً هو سلطة الأفكار العظيمة الدينية والدنيوية» [ما وراء السلام، ص163]. بمعنى أن العلمانية في الغرب والعلمانية في العالم الإسلامي كلها لا تستطيع أن تغالب الإسلام، كما يؤكد مؤلف (صدام الحضارات) صموئيل هنتنجتون حقيقة فوز الإسلام كذلك بقوله: «وفي المدى الطويل مع ذلك، فإن الإسلام سيفوز. المسيحية تنتشر عن طريق الاعتناق، والإسلام ينتشر بالاعتناق والتكاثر السكاني..» [صدام الحضارات،ص 142].

مع أن الواقع يقول أن الاعتناق بين النصارى يتضاءل بشكل ملحوظ بعكس واقع الإسلام!

وبرغم الواقع المؤلم للمسلمين، فإن الإسلام له شأن آخر مختلف! فهو ديانة في صعود! وهي حقيقة ماثلة كما هو عنوان كتاب (الإسلام في الألفية الثالثة ديانة في صعود) للباحث الألماني هوفمان، ولهذا فحقيقة صعود الإسلام مقابل غيره من الأديان أصبح حقيقةً ظاهرةً لدى الأعداء والخصوم، وانتشار الإسلام في أصقاع الأرض ديانة ثانية أو أولى كعقيدة وأيديولوجيا فكرية في الوسط الغربي أمر مُشاهد وواضح، وهو ما يمكن أن يكون مؤشراً لانتصار أتباعه، وقد يكون داخل الغرب نفسه! والقضية ربما تكون مسألة وقت أو زمن لسيادة الإسلام وهيمنته في الأرض التي يورثها الله من يشاء من عباده! بل إن العمل بكل أنواع الكيد العالمي والمكر الكُبَّار ضد الإسلام هو بسبب ظهور هذا الدين وقُوَّته، وذلك لتأخير سيادته وإضعاف مكانته، لإعاقة المنافسة الإسلامية بإقصاء قيم الإسلام أو من يُمثله في المنظومة الدولية! ولهذا تُفتعَل الصراعات الداخلية الفكرية والسياسية بين المسلمين، وفيما بين الشعوب وحكوماتها، إضافةً إلى صناعة الحروب الإقليمية والدولية، ودعم الاستبداد السياسي في معظم العالم العربي والإسلامي مما يؤدي إلى الاحتقان بين الشعوب وحكوماتها، وكل ذلك مما يٌعدُّ من مكر متعصبي الغرب المُتشنج وكيدهم الخفي والمعلن ]وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا[ (البقرة:217).

***

لكن دعم هذا الاستبداد الذي جاء بعد الاحتلال بديلاً عنه منذ حوالي ستة عقود مضت، أدَّى إلى نتائج ربما تكون عكسية على الغرب المتعصب ذاته، حينما أفرز هجرات مشروعة وكبيرة لعقول وقيادات دعوية إسلامية، ونخب فكرية مخلصة لدينها وثقافتها من أرجاء البلاد العربية والإسلامية، لتستقر في الغرب وتحصل بأولادها وأُسرها على الجنسيات وحقوق المواطنة في بلاد المهجر مستفيدة من أجواء الحريات السياسية والدينية والقانونية، فتصبح هذه الموجة الأولى من وسائل دخول الإسلام في عمق الغرب، وبانتشار قوي سلمي لهذا الدين، غير مسبوق بدعوته الصامتة الحسنة، وهو من التفاؤل الحسن والوجه الآخر الإيماني للفتن والمحن على المسلمين حسب ما ورد في الموضوع الأخير من كتاب (الإسلام والغرب بين المنافسة والصراع – رؤية مستقبلية للواقع العربي والإسلامي وعلاقته بالآخر!) للمؤلف.

وضَاعَف من هذه الحالة السابقة في الانتشار للإسلام انعكاسات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م واحتلال العراق وأفغانستان، وما يُماثلها من أحداث كمجازر مساجد نيوزيلندا في مارس 2019م مما يدفع كثيراً من الغربيين إلى الفضول المعرفي في البحث عن حقيقة الدين الإسلامي، لا سيما في ظل برامج التشويه والإعلام الدعائي الموجَّه ضد الإسلام، وبالتالي أصبح يزداد دخول الناس في دين الله أفواجاً بعد اكتشاف قِيَمه ومحاسنه من فئات كثيرة كما هو الواقع، وعموم الإحصائيات الرسمية تشهد بذلك -كما سيأتي-، ومما هو جدير ذكره أن الانتصار للإسلام والفوز القائم والقادم لا يعني تحول البشرية إلى الإسلام؛ لأن هذا خلاف السُنن الكونية، ولكنه يعني أن الإسلام والمسلمين سوف يكون لهم قوة وسيادة وريادة بين الأمم، وربما استخلاف في الأرض – والله أعلم -.

وزادت حالة انتشار الإسلام وفوزه العالمي بصعود جماعات وأحزاب اليمين النصراني المتطرف سياسياً، وبإصرار متعصبي الغرب على تكرار جناياتهم بحق المسلمين، خاصة بعدما أَفْشَلوا بشكلٍ مباشر وغير مباشر ثورات ما يُسمى بالربيع العربي أو خريفه! وما آلت إليه نتائجها! لتَتَابع بهذا موجات أخرى من الثورات ومن الهجرات إلى الغرب مشروعة وغير مشروعة، إضافة إلى هجرات الجوع والفقر من أفريقيا وآسيا نتيجة سرقة ثرواتها ونهب خيراتها! مع واقع دعم بعض الدول الغربية لحكومات تلك الدول المنهوبة!

وتكمن القوة المستقبلية للإسلام وهزيمة خصومه من خلال جاذبيته الفكرية والأخلاقية وحضارته العلمية غير المحدودة، كما هي اعترافات المنصفين من مفكري الغرب ومؤرخيه من أمثال الباحثة المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها حسب عنوانه الصحيح (شمس الله تسطع على الغرب) وغيرها كثير.

وضاعف من تلك القوة مؤشرات نهاية الاحتكار العلمي والمعرفي والإعلامي حينما أصبحت التقنية وفضاءات الانترنت المفتوحة -كأنموذج- وسيلة مثلى لمزيد من انتشار الإسلام.

ويبشر بنهاية هذا الاحتكار -كمثال- تطويع التقنية التي ولَّدت استقلالية المواقع الإلكترونية المتخصصة، والقنوات الموجَّهة والمتنوعة، والأكاديميات التعليمية المؤصِّلة، والمنصات الإعلامية المبشِّرة بالإسلام، وكلها بلغات عالمية متعددة! في أنحاء الأرض إلى كل أصقاعها ليصل هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل إلى كل بيت في الحاضرة والبادية، وحينما تفوز العقائد والأفكار ينتصر الأتباع كما هي الحقيقة التاريخية التي يؤمن بها العدو والصديق، والمؤمن وغير المؤمن.

ويبدو – والله أعلم – أن حالات انتصار الإسلام وَقِيَمه وفكره وثقافته سوف تتضاعف أكثر وتتعزز أكبر، لا سيما حينما يُصر سادة الغرب بمتعصبيه على تكرار سياساتهم في التعاطي غير المتسامح مع الإسلام وشؤون المسلمين، وكذلك حينما لا يتوقف هذا الغرب عن استراتيجياته المتنوعة في إثارة الكراهية والصراعات والحروب، حسب مخططات الصهيونية ووفق مشروع برنارد لويس لتفتيت المنطقة الإسلامية وتقسيمها بأكثر من واقعها، وبالذات المعنية بمأرز الإسلام ومركز المسلمين ومقدساتهم جميعها –حماها الله من شرورهم-.

فإثارة الخلافات والنزاعات بما يُسمى الفوضى الخلاَّقة ومآلاتها السياسية، والتحشيد السياسي والعسكري لما يُسمى بالشرق الأوسط الجديد! وصفقة القرن!، وكما هو الواقع في أزمات اليمن ودول الخليج تحديداً، هذه الأحداث وما شابهها مما سوف يؤدي – والله أعلم- إلى مستقبل أكثر إشراقاً، حيث ستكون هجرة بعض الشعوب بدينها وثقافتها وعقيدتها واقتصادها وأموالها إلى الغرب والشرق لتشكل (الموجة الأقوى والأخطر) في التغيير الديمغرافي والديني والثقافي لدول الغرب بصورة أوضح من السابق، سواءً على المدى القريب أم البعيد، خاصة مع قوة معظم هذه الشعوب العقدية والاقتصادية، وما تحمله غالب هذه العقول المهاجرة من رسالة ومشروع لا خيار لهؤلاء في غير دينهم بأي مكان استقرُّوا فيه!

***

والإحصائيات والأرقام عن نمو الإسلام وانتشاره في أرجاء الشرق والغرب كلها مما يُعزِّز ما سبق، وقد أصبح – مثلاً – في قارة أوروبا أكثر من خمسين! أو ستين مليون مسلم! ثم متى أصبح الإسلام عبر تاريخه الطويل بهذا الوجود الضخم والحضور القوي الفاعل في القارة الأمريكية؟!

وعموم الإحصائيات الرسمية تشهد بهذا التصاعد والنمو للإسلام، ومن ذلك تصريح الفاتيكان عام 2011م! الذي حسم الأولوية للإسلام، خلافاً لـ(مركز بيو الأمريكي) بقوله: بأن الإسلام هو الديانة الأكثر انتشارًا في العالم، وتجاوز المسيحية بأكثر من ثلاثة ملايين مؤمن عبر أنحاء المعمورة منذ ما يقرب من عام تقريباً، بسبب اعتناق عدد كبير من الغربيين لهذه الديانة. وأضاف البيان أن الفاتيكان يُقرُّ أن الإسلام بات الديانة الأولى الأكثر انتشارًا في جميع أنحاء المعمورة، حيث إن 19% من سكان العالم مسلمون، مقابل 17,5% من المسيحيين.ولاحظ الفاتيكان الإقبال المنقطع النظير من جانب مواطنين غربيين مسيحيين ويهود وديانات ومعتقدات أخرى على اعتناق الدين الإسلامي خلال السنوات الأخيرة الماضية[الفاتيكان: الإسلام الديانة الأولى في العالم، صحيفة الدولية بباريس، 15 ديسمبر 2011م].

وفي تقارير إحصائية كثيرة معنية بهذا الشأن وصادرة من مراكز بحثية تُعنى بالدراسات الديمغرافية، ومنها (مركز بيو) للأبحاث الأمريكي المتخصص، وفي هذه الدراسة الصادرة عام 2015م والتي نشرت عنها الغارديان البريطانية وردت تفاصيل دقيقة عن الأديان، ومما ورد عن الإسلام تحديداً: «أن الإسلام هو الأسرع نموا في العالم من باقي الأديان، إذ إن سرعة النمو بين المسلمين هي ضِعْف تلك المسجلة لدى باقي الطوائف والمجموعات الإثنية.فبحسب ما كشفته توقعات عدد سكان العالم في الفترة ما بين سنتين 2015م و2060م، فإن نسبة النمو الإجمالية لسكان العالم هي 32 بالمئة خلال إجمالي هذه الفترة، يُشكِّل المسلمون وحدهم من نسبة النمو تلك 70 بالمئة، في المقابل وبرغم أن عدد المسيحيين في العالم يبقى الأكبر حالياً، فإن نسبة النمو ستستقر لدى أتباع المسيحية عند 34 بالمئة، ما يعني أن الأخيرة ستخسر موقعها في الترتيب العالمي في منتصف القرن الحادي والعشرين لصالح الإسلام». [الغارديان الإسلام سيكون الديانة الأولى في العالم بحلول سنة 2060، ترجمة فرانس24].

ولهذا فالإسلام مع بداية الألفية الثالثة أضحى رقماً مهماً وصعباً في المعادلات الدولية يتطلب التصالح والتعايش معه – بالرغم من ضعف المسلمين وهوانهم وانتهاك حقوقهم وكرامتهم، وضعف تمثيلهم للإسلام في أنحاء كثيرة من بلاد الإسلام – ولذلك لم يجد خصوم هذا الدين وأعداؤه سوى تنويع الحملات المعادية لعقيدته وقيمه وأتباعه تحت ستار الحرب على ما يُسمَّى (الإرهاب)! وبحروب أخرى أيديولوجية وإعلامية متعددة ومتنوعة! ومنها محاولات تشويه وإسقاط كثير من النماذج التطبيقية القديمة والحديثة للإسلام من مدارس علمية وفكرية ومناهج وعلماء ودعاة وأصحاب فكر وحركات إصلاحية وتجديدية ليتترسوا بها عن الهجوم على الإسلام ذاته بشكل مباشر! وفي أحيان كثيرة تتعمد هذه الحروب الحديثة بالوكلاء وغيرهم تشويه قضايا إسلامية مُعيَّنة أو مصادرة بعض مفاهيمها وقيمها، بل ومحاولات بائسة من خارج العالم العربي وداخله لتدجين هذا الدين باستصدار نسخة أوروبية أو أمريكية للإسلام! أو باختطاف لمصادر قوته العقدية أو الجهادية الصحيحة من خلال القوة الإعلامية الدعائية، وبأدوار بعض الوكلاء والخصوم في هذا الشأن من السياسيين والمنافقين وأدعياء الجهاد ومن شابههم.

***

والخلاصة أن ما سبق يطرح تساؤلات شرعية وتاريخية ذات أبعاد سياسية حول مستقبل الإسلام في الأرض كلها، بالرغم من صناعة (إسلام فوبيا) ضد الإسلام والمسلمين، وإثارة الحروب أو مسبباتها فيما بين بني الإسلام! ومن أبرز هذه التساؤلات:

هل يمكن الاستدلال بالحديث النبوي أدناه على تحوّل معظم أوروبا أو بعضها للإسلام ولو بعد حين؟ (… سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني القسطنطينية”) [الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/4] وقد فُتحت الأولى وبقيت الثانية!

وماذا يمكن أن يُفهم من الحديث الآخر حينما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ليبلُغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلَّا أدخلَهُ اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذلِّ ذليلٍ، عزّاً يعزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذلَّاً يذِلُّ اللهُ به الكفرَ) [الطبراني، في المعجم الكبير 2/1280، والألباني 158]!فهل يتكرر حدوث هذا الانتصار والانتشار لدين الإسلام عبر الأزمنة والعصور؟ أم أنه خاص في آخر الزمان؟

ثم هل يمكن أن يكون الجمع بين هذه الأحاديث السابقة وحديث مسلم (تقوم الساعة والروم أكثر الناس…) [صحيح مسلم رقم (2898)] بترجيح ما ذَهَبَ إليه ابن كثير من اختيار: «بأن الروم سوف يُسلمون في آخر الزمان»! [النهاية في الفتن والملاحم 1/46]؟؟ وهل هذه بشرى للغرب عن خير قد اقترب؟!

وبهذه الحقائق والمعطيات السابقة، هل يمكن لشعوب الغرب أن تفرض على حكوماتهم التصالح مع الإسلام والتعايش مع المسلمين أو أن يفيء الغرب إلى هذا الدين؟؟ وهل يتجاوز الغرب المتعصب عقدة الكراهية للإسلام وأهله بحوار صحيح مُتسامح ومتكافئ مع الشعوب المسلمة؟ ليفوِّت هذا الغرب عن نفسه حصاد ما زرعه من سياسات خاطئة، وليتجنب الصراع المستقبلي أو الجهاد الصحيح بعد انكشاف مشروعات تشويهه! ووعي عموم الأمة وشبابها بمصائده وشِباكِه المنحرفة المفضوحة!

وهل حان الوقت أن تعي شعوب العالم العربي والإسلامي استحقاقات المرحلة؟ وتُدرك متطلبات سنن التغيير؟ لتفرَّ إلى الله بصدق ]فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ[ (الذاريات:50)، ثم تتعاطى مع هذا الواقع بتوازن بين كيد أعدائها، وتصحيح مسيرتها! لتكون البداية من إصلاح النفس ذاتها ]إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[ (الرعد:11).

وفي الختام، هل سوف تعي الحكومات العربية والإسلامية هذا الرهان المستقبلي لفوز الإسلام، وتُدرك هذه القوة القادمة لهذا الدين، وأهمية المرحلة؟ وذلك بالتقوِّي بهذه (القوة الناعمة) وبالتصالح مع دينها وشراكة شعوبها لتُفشل خطط واستراتيجيات أعداء وحدتها ونهضتها وخصوم رسالتها العالمية التي هي رحمة للعالمين؟ ولتكون لها قوة سيادية أمام أفول الغرب، ومقابلة القوى الصاعدة البديلة بقوة متكافئة؟ الأمل بالله كبير والتفاؤل من قيم هذا الدين، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

محمد بن عبدالله السلومي

1 رمضان 1440هـ

لا توجد تعليقات

بريدك الالكتروني لن يتم نشره


الاشتراك في

القائمة البريدية

اكتب بريدك الالكتروني واضغط اشتراك ليصلك كل جديد المركز

تصميم وتطوير SM4IT